Rabu, 29 April 2020

ما هو علم الفقه ؟


السلسلة التعريفية بعلم الفقه (١)

بقلم محمد أتم الإندونيسي

الفقه لغة الفهم

منه قوله تعالى : قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول

ولكن بعض العلماء يرون أن الفقه ليس مجرد الفهم بل هو الفهم الدقيق
.
منهم أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله قال في تعريف الفقه : هو فهم الأشياء الدقيقة
.
وقال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله : هو فهم غرض المتكلم من كلامه

والفقه له اشتقاقات ثلاث مختلفة تدل على معان مختلفة. أولا من فقه يفقه بكسر القاف الأول وفتح الثاني ومعناه الفهم. وثانيا من فقه يفقه بفتح القاف الأول والثاني ومعناه سبق غيره إلى الفهم. وثالثا من فقه يفقه بضم القاف الأول والثاني ومعناه صار الفقه سجية. (الإمام السيوطي، شرح الكوكب الساطع، ١/٤٩-٥٠)

المعنيان الأول والثاني من المعنى اللغوي والمعنى الثالث من المعنى الإصطلاحي الذي يصطلح به فن ما وهو علم الفقه.  كما عرف في علم التصريف أن الضمة في عين الفعل الماضي للدلالة على معنى الصناعة كلفظ بلغ بضم اللام يدل على أن الشخص صار أهلا في علم البلاغة
.
واصطلاحا : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية

لفظ العلم في هذا التعريف جنس، بمعنى أن هذا الفقه من جنس العلم. وأما الكلمات التالية فصل بمعنى أنها التي تميزه عن العلوم الأخرى. كما علم في علم المنطق أن شرط صحة التعريف أن يتكون من جنس وفصل
.
العلم هنا يشمل اليقين والظن الراجح، لا بمعنى العلم الحقيقي الذي اشتهر تعريفه : الإدراك الجازم المطابق للواقع وهو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما. ولكنه بمعنى الصناعة التي هي نتيجة الفكر الإنساني
.
والأحكام الشرعية هي الأحكام الصادرة من الله وهو الشارع. وهذه احتراز عن الأحكام الأخرى كالحكم العقلي الذي صدر من العقل كقولك : الكل أكبر من الجزء، والحكم العادي التجريبي كقولك : النار محرقة.

والعملية احتراز عن الأحكام الشرعية الإعتقادية لأنها من مباحث علم العقيدة. وأما الأعمال القلبية لا تخرج عن دائرة الفقه من حيث أنها الأعمال، ولكن أغلب مسائلها من مباحث علم الأخلاق الذي سماه العلماء بعلم السلوك أو التصوف
.
والمكتسب صفة للعلم، بمعنى أن هذا العلم اكتسبه الإنسان. ويحترز به علم الوحي الذي أعطاه الله الرسل أو الملائكة

ومن أدلتها التفصيلية احتراز عن علم المقلد حيث عرف العلم من فتاوى العلماء أو من أدلتها الإجمالية وليس من الأدلة التفصيلية. وهو كذلك ليفرق بينه وبين علم أصول الفقه الذي تبحث فيه الأدلة الإجمالية
.
استخرج من هذا التعريف من الأمور المهمة هي
 :
أن الذي يعرف علم الفقه هو الذي فهم الأحكام الشرعية العملية، وصفة هذه الأحكام كما ثبتها العلماء لا تخرج عن الأحكام التكليفية الخمسة وهي الوجوب والسنة والحرمة والكراهة والإباحة
.
وفهم هذه الأحكام لابد مع معرفة أدلتها التفصيلية، وإذا كان ليس كذلك فلا يسمى فقيها.
والله أعلم.

Senin, 16 Maret 2020

البدء بالعلوم الأساسية

 


البدء بالعلوم الأساسية
بقلم محمد أتم الإندونيسي


العلوم الأساسية في الإسلام هي التي تتعلق بأركان الدين الثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان كما ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي :
عنْ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ
هذه الأركان الثلاثة تتعلق بعناصر الإنسان الثلاثة. الإسلام خطابه إلى البدن، والإيمان خطابه إلى العقل والإحسان خطابه إلى القلب. وهذا ننظر إلى أركان كل من هذه الثلاثة. فأركان الإسلام الخمسة نطق الشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج تتعلق بالأعمال الجسدية الظاهرة. وأركان الإيمان الستة الإيمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره تتعلق بالإعتقاد الذي فهمه العقل أولا ثم قبله واعتقده. وركن الإحسان الواحد أن نعبد الله كأننا نراه أو على الأقل نشعر بأنه يرانا يتعلق بالقلب الذي يتصل بالله. فالإسلام يتولد منه علم الفقه، والإيمان يتولد منه علم العقيدة والإحسان يتولد منه علم الأخلاق. هذه العلوم الثلاثة هي العلوم الأساسية في الإسلام التي لا بد أن يتعلمها كل مسلم. ولو لا يستوعب جميع مسائلها ففيها قدر واجب ليتعلمها كل مسلم التي تتعلق بواجبه إلى الله، وهي التي تسمى بعلم فرض عين. قد برع في بيانه الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين وسماه بعلم المعاملة ومعناها المعاملة مع الله. قال :
والمعاملة التي كلف العبد العاقل البالغ العمل بها ثلاثة‏:‏ اعتقاد وفعل وترك فإذا بلغ الرجل العاقل بالاحتلام أو السن ضحوة نهار مثلاً فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وهو قول ‏"‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله ‏"‏ وليس يجب عليه أن يحصل كشف ذلك لنفسه بالنظر والبحث وتحرير الأدلة بل يكفيه أن يصدق به ويعتقده جزماً من غير اختلاج ريب واضطراب نفس وذلك قد يحصل بمجرد التقليد والسماع من غير بحث ولا برهان إذ اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب بالتصديق والإقرار من غير تعلم دليل‏.‏
فإذا فعل ذلك فقد أدى واجب الوقت وكان العلم الذي هو فرض عين عليه في الوقت تعلم الكلمتين وفهمهما وليس يلزمه أمر وراء هذا في الوقت بدليل أنه لو مات عقيب ذلك مات مطيعاً لله عز وجل غير عاص له وإنما يجب غير ذلك بعوارض تعرض وليس ذلك ضرورياً في حق كل شخص بل يتصور الانفكاك وتلك العوارض إما أن تكون في الفعل وإما في الترك وإما في الاعتقاد‏.‏
أما الفعل‏:‏ فبأن يعيش من ضحوة نهاره إلى وقت الظهر فيتجدد عليه بدخول وقت الظهر تعلم الطهارة والصلاة فإن كان صحيحاً وكان بحيث لو صبر إلى وقت زوال الشمس لم يتمكن من تمام التعلم والعمل في الوقت بل يخرج الوقت لو اشتغل بالتعلم فلا يبعد أن يقال‏:‏ الظاهر بقاؤه فيجب عليه تقديم التعلم على الوقت‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ وجوب العلم الذي هو شرط العمل بعد وجوب العمل فلا يجب قبل الزوال وهكذا في بقية الصلوات فإن عاش إلى رمضان تجدد بسببه وجوب تعلم الصوم‏:‏ وهو أن وقته من الصبح إلى غروب الشمس وأن الواجب فيه النية والإمساك عن الأكل والشرب والوقاع وأن ذلك يتمادى إلى رؤية الهلال أو شاهدين فإن تجدد له مال أو كان له مال عند بلوغه لزمه تعلم ما يجب عليه من الزكاة ولكن لا يلزمه في الحال إنما يلزمه عند تمام الحول من وقت الإسلام فإن لم يملك إلا الإبل لم يلزمه إلا تعلم زكاة الإبل وكذلك في سائر الأصناف فإذا دخل في أشهر الحج فلا يلزمه المبادرة إلى علم الحج مع أن فعله على التراخي فلا يكون تعلمه على الفور ولكن ينبغي لعلماء الإسلام أن ينبهوه على أن الحج فرض على التراخي على كل من ملك الزاد والراحلة إذا كان هو مالكاً حتى ربما يرى الحزم لنفسه في المبادرة فعند ذلك إذا عزم عليه لزمه تعلم كيفية الحج ولم يلزمه إلا تعلم أركانه وواجباته دون نوافله فإن فعل ذلك نفل فعلمه أيضاً نفل فعلمه أيضاً نفل فلا يكون تعلمه فرض عين وفي تحريم السكوت عن التنبيه على وجوب أصل الحج في الحال نظر يليق بالفقه وهكذا التدريج في علم سائر الأفعال التي هي فرض عين‏.‏
وأما التروك فيجب تعلم علم ذلك بحسب ما يتجدد من الحال وذلك يختلف بحال الشخص إذ لا يجب على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام ولا على الأعمى تعلم ما يحرم من النظر ولا على البدوي تعلم ما يحرم الجلوس فيه من المساكن فذلك أيضاً واجب بحسب ما يقتضيه الحال فما يعلم أنه ينفك عنه لا يجب تعلمه وما هو ملابس له يجب تنبيهه عليه كما لو كان عند الإسلام لابساً للحرير أو جالساً في الغصب أو ناظراً إلى غير ذي محرم فيجب تعريفه بذلك وما ليس ملابساً له ولكنه بصدد التعرض له على القرب كالأكل والشرب فيجب تعليمه حتى إذا كان في بلد يتعاطى فيه شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فيجب تعليمه ذلك وتنبيهه عليه وما وجب تعليمه وجب عليه تعلمه‏.‏
وأما الاعتقادات وأعمال القلوب فيجب علمها بحسب الخواطر فإن خطر له شك في المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة فيجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالة الشك‏.‏
فإن لم يخطر له ذلك ومات قبل أن يعتقد أن كلام الله سبحانه قديم وأنه مرئي وأنه ليس محلاً للحوادث إلى غير ذلك مما يذكر في المعتقدات فقد مات على الإسلام إجماعاً ولكن هذه الخواطر الموجبة للاعتقادات بعضها يحظر بالطبع وبعضها يحظر بالسماع من أهل البلد فإن كان في بلد شاع فيه الكلام وتناطق الناس بالبدع فينبغي أن يصان في أول بلوغه عنها بتلقين الحق فإنه لو ألقى إليه الباطل لوجبت إزالته عن قلبه وربما عسر ذلك كما أنه لو كان هذا المسلم تاجراً وقد شاع في البلد معاملة الربا وجب عليه تعلم الحذر من الربا وهذا هو الحق في العلم الذي هو فرض عين ومعناه العلم بكيفية العمل الواجب فمن علم العلم الواجب ووقت وجوبه فقد علم العلم الذي هو فرض عين وما ذكره الصوفية من فهم خواطر العدو ولمة الملك حق أيضاً ولكن في حق من يتصدى له فإذا كان الغالب أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد فيلزمه أن يتعلم من علم ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجاً إليه وكيف لا يجب عليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثلاث مهلكات‏:‏ شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه ‏"‏ ولا ينفك عنها بشر وبقية ما سنذكره من مذمومات أحوال القلب كالكبر والعجب وأخواتها تتبع هذه الثلاث المهلكات وإزالتها فرض عين ولا يمكن إزالتها إلا بمعرةف حدودها ومعرفة أسبابها ومعرةف علاماتها ومعرفة علاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه والعلاج هو مقابلة السبب بضده وكيف يمكن دون معرفة السبب والمسبب وأكثر ما ذكرناه في ربع المهلكات من فروض الأعيان وقد تركها الناس كافة اشتغالاً بما لا يعني‏.‏
ومما ينبغي أن يبادر في إلقائه إليه إذا لم يكن قد انتقل عن ملة إلى ملة أخرى‏:‏ الإيمان بالجنة والنار والحشر والنشر حتى يؤمن به ويصدق وهو من تتمة كلمتي الشهادة فإنه بعد التصديق بكونه عليه السلام رسولاً ينبغي أن يفهم الرسالة التي هو مبلغها‏:‏ وهو أن من أطاع الله ورسوله فله الجنة ومن عصاهما فله النار فإذا انتبهت لهذا التدريج علمت أن المذهب الحق هو هذا وتحققت أن كل عبد هو في مجاري أحواله في يومه وليلته لا يخلو من وقائع في عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر ويلزمه المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالباً فإذا تبين أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بالعلم المعرف بالألف واللام في قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم علم العمل الذي هو مشهور الوجوب على المسلمين لا غير فقد اتضح وجه التدريج ووقت وجوبه والله أعلم‏.‏ (إحياء علوم الدين ص ٢٢-٢٤).
هذا هو علم فرض العين الذي لا بد أن يتعلمه كل مسلم بلا استثناء. فالمسلم في أدنى عوامه لا بد أن يتعلم هذه العلوم التي تتعلق بالإعتقاد والفعل والترك وهي التي تتعلق بعلم العقيدة والفقه والأخلاق في مسائله الأساسية كما بينا. وطبعا مع تغير أحوال الناس وحاجاتهم التي تتجدد فيها الوقائع لا بد له أن يزيد العلم الذي يحتاجه فيها.
قد حاول العلماء في تحقيق تعليم هذه العلوم بتصنيف المختصرات التي وردت فيها هذه العلوم. مع أنهم يتفاوتون في التعمق فيها. فمنهم برز في أحدها ومنهم من جمع العلمين و منهم من جمع الثلاثة كلها. وهم مشهورون ببروزهم في تلك العلوم وأصبحوا أئمة فيها. فالغزالي رحمه الله ممن برز في هذه العلوم الثلاثة. وهذه العلوم في تعمقها وهو القدر الزائد عن فرض العين على طبيعتها تتولد منها المذاهب والطرق في دقائق مسائلها.
إذا كانت هذه المذاهب والطرق تتمسك بالأمور القطعية ولا تنصرف عنها فأصحابها على الصراط المستقيم، وبالعكس إذا كانت لا تتمسك بها وتنصرف عنها فأصحابها ضالون عن الطريق. فاشتهر في علم العقيدة مذاهب أهل السنة الثلاثة : الأشعري والماتوريدي والأثري أو الحنبلي. وفي علم الفقه ثلاثة مذاهب أو أكثر : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وغيرهم. وكذلك في علم الأخلاق أو يسمونه بعلم التصوف أو علم السلوك ففيه المذاهب واشتهر باصطلاح الطرق.
قبل التعمق في هذه العلوم الثلاثة من خلال هذه المذاهب والطرق التي كثرت فيها الاختلافات والمناظرات فينبغي للمسلم أن يتعلم الأساسيات من هذه العلوم وهي القطعية المتفقة عند العلماء. وهي العلوم العملية لأن الغرض من هذه العلوم إنما هي تحصيل العمل. أعني تطبيقها في مجال الإعتقاد والفعل والترك. ومن هذه العلوم الثلاثة أكثر تعرضا للإختلاف وتدقيق المسائل هو علم الفقه، لأنه يعالج كل أعمال الناس.
في علم العقيدة متون مختصرة ألفها العلماء. ففي مذهب الأثري مثلا أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل وأصول السنة للحميدي والإعتقاد لأبي يعلى وشرح السنة للبربهاري والمختار لابن البناء الذي هو مختصر من كتاب الشريعة للآجري والواسطية لابن تيمية وغير ذلك. وفي مذهب الأشعري مثلا عقيدة العوام للمرزوقي وأم البراهين للسنوسي والغزالي كذلك كتب قواعد العقائد مختصرة وهي جزء من كتابه إحياء علوم الدين. وفي مذهب الماتوريدي متن العقيدة النسفية. بالإضافة إلى هذه التصانيف التي صنفها علماء العقيدة فهناك تصانيف أخر التي صنفها علماء الفقه كالطحاوي في المذهب الحنفي الذي ألف كتابا في العقيدة الذي اشتهر بالعقيدة الطحاوية. وكذلك بالخصوص العلماء المالكية يكتبون عادة المسائل العقدية الأساسية ويجعلونها مقدمة لكتبهم الفقهية، ومن الذي اشتهر منها مقدمة الرسالة لأبي زيد القيرواني ومتن ابن عاشر ومتن الأخضري وغيرها وكتب ابن جزي الكلبي المالكي كتابا خاصا في هذا المجال الذي سماه النور المبين في قواعد عقائد الدين.
وفي علم الفقه طبعا المذاهب لهم متون مختصرة للمبتدئين. ففي المذهب الحنفي مثلا له متن نور الإيضاح لأبي البركات وفي المذهب المالكي له متن الأخضري أو متن ابن عاشر وفي المذهب الشافعي له متن أبي شجاع وفي المذهب الحنبلي متن عمدة الفقه لموفق الدين ابن قدامة المقدسي وغير ذلك.
وفي علم السلوك هناك تصانيف التي صنفها العلماء المتخصصون فيه كرسالة المسترشدين للحارث المحاسبي والغزالي كذالك كتب للمبتدئين في هذا العلم كتابه أيها الولد وكتاب بداية الهداية، وكتاب نصيحة الولد والطب الروحاني لابن الجوزي، والتحفة العراقية لابن تيمية وهي جزء من كتابه مجموعة الفتاوى وغير ذلك. والعلماء المالكية خصوصا كعادتهم يكتبون كذلك في هذا العلم ويدخلون في كتبهم الفقهية. إذا، سنجد في متون المذهب المالكي هذه العلوم الثلاثة متجمعة في متن أو كتاب واحد كمتن ابن عاشر ومتن الأخضري وكذلك من العلماء المعاصرين في موريتانيا محمد مولود بن أحمد فال الشنقيطي كتب في هذا المجال كتاب الكفاف الذي كتبه على شكل النظم.
في مجلسي أحاول أن أدرس هذه العلوم الثلاثة الأساسية على الأقل باستيعاب متن النور المبين في قواعد عقائد الدين لابن جزي الكلبي في علم العقيدة ومتن رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي في علم السلوك ومتن أبي شجاع في علم الفقه في المذهب الشافعي
 .
هدانا الله وإياكم أجمعين.

المراحل في التربية الإسلامية

 


المراحل في التربية الإسلامية
بقلم محمد أتم الإندونيسي


التدرج في كل أمور فطرة التي فطرها الله للناس. بل لكل عالم حتى يصير سنة الله في الكون.
قال الله تعالى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (الإنشقاق : ١٩)
الدلالة في هذه الآية تفيد العموم، بمعنى أنه يشمل كل نواحي حياة الناس.
بداية من خلقه الذي بينه الله في القرآن، الذي بدأه من ماء مهين وهو ماء أخلاط بين الأب والأم ثم يكون علقة ثم يكون مضغة ثم يكون له عظاما وكساها بلحم ثم أنشأه خلقا آخر.
وكذلك حين يعود إلى الله، هناك مراحل التي سلكها الميت حتى وصل إلىى قبره. وكذلك حين جاء يوم القيامة، سيمر الإنسان في مراحل طويلة من البعث والحشر والحساب والميزان والنشر والحوض لأمة محمد صلى الله عليه وسلم والصراط حتى يصل إلى الجنة أو إلى النار.
سنة التدرج تجري في الناس في حياتهم الدنيوية. فكل ما يريده الإنسان لا بد أن يناله بالتدرج. ولا يستثنى في مجال التربية، فالإسلام قد وضع المراحل التي لا بد أن يسلكها كل من اشتغل بالتربية ليصل بها إلى هدف التربية وهو أن ينال الإنسان رضا الله وأن يكون إنسانا صالحا الذي يؤدي مهمته في هذه الحياة لعبادة الله والخلافة في الأرض، ونشاطه لا يخرج عن دائرة الإيمان والعمل الصالح.
ذكرت هذه المراحل في القرآن حين بين وظيفة الرسول المربي لأمته :
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (الجمعة ٢)
في هذه الآية ثلاث وظائف للرسول المربي وهي :
١- يتلو عليهم آياته
٢- ويزكيهم
٣- ويعلمهم الكتاب والحكمة
ترتيب ذكر هذه الثلاث يعتبر مراحل في التربية الإسلامية، دليل ذلك نستطيع أن نلاحظ في دعاء إبراهيم عليه السلام :
"ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم" (البقرة ١٢٩).
قد ذكر إبراهيم عليه السلام في هذا الدعاء بترتيب : يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. ثم أجاب الله تعالى دعاءه بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم مع تصحيح قليل من الترتيب كما سبق في سورة الجمعة : يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
وإذا تأملنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فسنجد أنه يطبق هذه المراحل تحت ظلال الآيات القرآنية التي نزلت مفرقة في مرحلتين المكية والمدنية. بدأ بتسميع آيات القرآن لقومه ليلمس قلوبهم ثم يؤمنوا، ثم يزكيهم بالتوحيد والأخلاق الكريمة، ثم يعلمهم الكتاب والحكمة من الشرائع والأحكام.
أولا : يتلو عليهم آياته
هذه هي المرحلة الأولى في التربية الإسلامية : لمس نفوس الناس بتسميع الآيات القرآنية التي فيها معجزة. قد أسلم عدد من الناس بعد إعجابهم للقرآن الذي قرؤوه أو سمعوه، لأنهم يعرفون الحق فيه. منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا. لأن القرآن معجز دائم في جميع وجوهه.
إذا كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع القرآن شعر بجمال لغته وعمق معانيه وميزة دلالته التي تغرس الطمأنينة في قلوبهم وتعالج قضايا حياتهم، ففي هذا الزمان بالإضافة إلى ذلك كله شعر الناس بالإعجاز في الحقائق العلمية فيه التي كشفها العلوم والتجارب الحديثة. وهكذا تستمر معجزة القرآن إلى يوم القيامة مع تقدم أفكار الناس واختراعاتهم.
لذلك لابد أن يسمع القرآن ويبرز استمرارا للناس لفظا ومعنا لإعطاء اللمسات التربوية في نفوس الناس. وكذلك للطفل لابد أن يسمع له القرآن ليكون أول تربية له، بل منذ اسقراره في بطن أمه. وكذلك أن تقرأ له معاني الآيات القرآنية ليعرفه عن الحياة وعن خالق الحياة. عن خلق الكون والقصص التي امتلأت فيها العبر ونهاية الحياة التي تشمل يوم القيامة وحياة الآخرة. والغرض من هذا غرس الإيمان في نفسه. يعرف الله أنه المالك والمستحق بالعبادة. ليكون زادا له في ترويح نفسه وتقوية إيمانه.
ثانيا : يزكيهم
إذا مر الإنسان في المرحلة الأولى فسيصل إلى المرحلة الثانية وهي تزكية النفس. الإيمان الذي دخل في قلبه لابد أن يحفظه ويراعيه حتى لا يتوقف في تزكية نفسه عن أوساخ الذنوب. فالمحاولة في تزكية النفس طبعا يكتسبها طول حياته لأن الشيطان لا يتوقف في إغواءه عن طريق الحق. وكذلك العلم يتعلمه الإنسان طول حياته. لكن على أقل تقدير يستطيع أن يحصن نفسه عن الشرك بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، وإخلاص المحبة والخوف الرجاء له، ويحلي نفسه بالأخلاق الكريمة ويخليه من الأخلاق الرذيلة، مهما هذه الأخلاق في المستوى الأساسي بمعنى فعل الأخلاق الواجبة واجتناب الأخلاق المحرمة.
ثالثا : يعلمهم الكتاب والحكمة
إذا امتلأ الإنسان في قلبه إيمانا وصفاء من أقذار الذنوب حينئذ يستعد ليتلقى العلوم من القرآن والسنة. وهي العلوم التي لا بد أن يعملها بجهد كبير وهي شرائع الله وأحكامه التي أنزلها تتعلق بكل جوانب حياة الناس، من الصلاة إلى الجهاد. بقوة الإيمان وصفاء القلب، يستطيع الإنسان أن يعمل الأعمال الضخمة عالية الشأن. ومن هذا تتولد العلوم الواسعة التي يكشفها العلماء في مرور الزمان سواء كانت من ناحية الفهم أو من ناحية التطبيق.
هذه المراحل التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في التربية حتى يصلوا إلى النتيجة المعجبة. فعلينا أن نقتدي ونعمل بهذه المراحل في تربية أنفسنا وغيرنا.
هدانا الله ووفقنا إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Rabu, 05 Februari 2020

حفظ العربية هو حفظ القرآن




حفظ العربية هو حفظ القرآن

بقلم : محمد أتم الإندونيسي

قد ضمن الله على وحيه من القرآن والسنة على أنه حفظت أصالته إلى يوم القيامة. قال الله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

فنشأة علوم القرآن والحديث برهان ساطع على صدق هذا الوعد. كذلك نشأة علوم اللغة العربية، لأن القرآن والحديث كانا باللغة العربية التي اختارها الله لوحيه الأخير. إذا كان الله يحفظ أصالة وحيه فمن اللازم أن يحفظ أصالة اللغة العربية. فلذلك لا يستغرب أن يحاول أعداء الإسلام لإبعاد المسلمين عن اللغة العربية لأن ذلك يؤدي إلى إبعادهم عن القرآن والسنة الدستورين لهم في الحياة. طبعا، لا يستطيعون أبدا تغيير وحيه ولغة وحيه، ولكنهم نجحوا في إبعاد المسلمين عن ذلك.

هذا الوعد في تحقيقه مهد الله الفرصة لأبناء دينه أن يحوزوا الفضل بأخذ دور العمل فيه. فقد أخذ هذا الدور ناس من الصحابة والتابعين ومن لحقوهم من العلماء.

بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابة التي تربت على يده الشريفة، استمروا على حمل أمانة الرسالة. قد أدوا هذه الأمانة حق تأدية. وقد بالغوا في حفظ أصالة اللغة العربية. والخلفاء الراشدون نجحوا في تحقيق هذا الدور، بل دورهم كبير جدا.

اللحن في اللغة العربية الذي يؤدي إلى اللحن في القرآن وقع تدريجيا. قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه نادر جدا. وحذره غاية التحذير كما في الحديث الذي رواه الحاكم، إن كان هذا الحديث حسنا بشواهده التي تقويه عن ضعفه،  أن رجلا لحن بحضرته فقال - عليه الصلاة والسلام -: "أرشدوا أخاكم فقد ضل.

ما أعظم هذا اللحن حتى جعله من الضلالة.

وكذلك في عهد خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قل هذا اللحمن أن يقع، لأن الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام مازالوا قليلين. ودوره الأكبر في هذا المجال لا شك جمع القرآن في المصحف بسبب موت الكثيرين من الحفاظ في حرب الردة خوفا من ذهاب القرآن. وقد نبه عن وقوع اللحن بقوله كما رواه الشعبي عنه : لأن أقرأ فأسقط أحب إلي من أن أقرأ فألحن

في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تناشئت الألحان، فاشتهرت الروايات عنه المحذرة عن هذه الألحان.

فروي أنه مر بقوم يرمون ويسيئون الرمي، فغضب منهم وقال لهم: بئس ما رميتم، فقالوا : إنا قوم متعلمين [أو نحن قوم رامين]

هذا هو اللحن، لا يقال "متعلمين" على النصب أو الجر في مثل هذه الجملة، بل إنه مرفوع لكونه خبرا، فيقال : متعلمون

 فقال : والله لخطؤكم في كلامكم أشد من خطئكم في رميكم.

فقد قدم أعرابي في خلافة عمر فقال : "من يقرئني شيئا مما أنزل على محمد؟ " فأقرأه رجل سورة براءة بهذا اللحن :

"وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولِهِ ..."

(قلت : بكسر اللام في "رسوله" فطبعا هذا خطأ فاحش في المعنى)

 فقال الأعرابي: "إن يكن الله بريئا من رسوله، فأنا أبرأ منه"

فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال : يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ... وقص القصة

فقال عمر : "ليس هكذا يا أعرابي" فقال : "كيف هي يا أمير المؤمنين؟ " فقال: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}

(بضم اللام في "رسوله" وهذا هو الصحيح)

فقال الأعرابي: "وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم".

فأمر عمر ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة.

وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر الذي أوله :

“من أبو موسى الأشعري"

(الصحيح أن يكتب : "من أبي موسى الأشعري" لأن لفظ "أبي" وقع بعد حرف الجر الذي يلزمه أن يكون مجرورا)

فكتب عمر إلى عامله : “سلام عليك، أما بعد، فاضرب كاتبك سوطاً واحدا، وأخّر عطاءه سنة” أو “إذا أتاك كتابي هذا، فاجلده سوطاً واعزله عن عمله”.

فاشتهرت الأقوال المنسوبة إليه في أمر تعلم اللغة العربية : 

"تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة

وكذلك قال :

تعلموا السنة والفرائض واللحن كما تعلمون القرآن

قلت : اللحن هنا بمعنى اللغة العربية

وأما في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه لا شك دوره الأكبر توحيد رسم القرآن في مصحفه حين وقعت اختلاف بين المسلمين آنذك في قراءة القرآن ويجعل مصحفه إماما وحكما وفصلا حين وقعت الإختلافات.

توسعت هذه الألحان في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى يكون أول من أمر بوضع أصول وقواعد اللغة العربية، وقد أمر أبا الأسود الدئلي (ت ٩٧ ه) به. وهذا العالم الكبير أبو الأسود الدئلي هو أول من وضع هذه الأصول.

Minggu, 22 Desember 2019

مسؤولية التربية



مسؤولية التربية

بقلم محمد أتم الإندونيسي

قال الله تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّيْنِ حَنِيْفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ" (الروم ٣٠)
قال ابن كثير : يقول تعالى : فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها ، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره، كما تقدم عند قوله تعالى : "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (الأعراف :١٧٢) ، وفي الحديث : "إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" . وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية[1]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم" [الروم ٣٠]. رواه البخاري[2]
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُوْنَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ [التحريم : ٦]
قال ابن كثير : قال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي رضي الله عنه ، في قوله تعال : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" يقول : أدبوهم ، علموهم. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار. وقال مجاهد : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" قال : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله. وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ، قذعتهم عنها ، وزجرتهم عنها. وهكذا قال الضحاك ، ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته ، وإمائه ، وعبيده ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه.
وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها. هذا لفظ أبي داود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن. وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك. قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ; ليكون ذلك تمرينا له على العبادة ، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة ، والطاعة ، ومجانبة المعصية ، وترك المنكر ، والله الموفق [3].
قال أبو حامد الغزالي : اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها ، والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش ، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم عليه ، وقد قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا" [التحريم : ٦][4]
قال محمد قطب : فإن كنا نريد إذن أن نربي أطفالنا تربية إسلامية – وذلك هو المقتضى الطبيعي لكوننا مسلمين – فلا بد – بداهة – أن يكون لدينا البيت المسلم، والشارع المسلم، والمدرسة المسلمة، والمجتمع المسلم، وإلا فلن تكون الحصيلة في النهاية كما نريد. البيت كما قلنا هو المؤثر الأول، وهو أقوى العوامل الأربعة جميعا، بحكم التصاق الطفل به، وقضائه أطول فترة من طفولته في داخله، وبحكم أنه هو أول من يتسلم خامة الطفل ويؤثر في تشكيلها.[5]
عن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته. رواه البخاري[6]


[1]  تفسير ابن كثير سورة الروم ٣٠
[2]  صحيح البخاري رقم ١٣٥٩
[3]  تفسير ابن كثير سورة التحريم ٦
[4]  إحياء علوم الدين ص ٩٥٥
[5]  منهج التربية الإسلامية، ص ٣٣٠
[6]  صحيح البخاري رقم ٨٥٣