المراحل
في التربية الإسلامية
بقلم
محمد أتم الإندونيسي
التدرج
في كل أمور فطرة التي فطرها الله للناس.
بل
لكل عالم حتى يصير سنة الله في الكون.
قال
الله تعالى :
لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (الإنشقاق
:
١٩)
الدلالة
في هذه الآية تفيد العموم، بمعنى أنه يشمل
كل نواحي حياة الناس.
بداية
من خلقه الذي بينه الله في القرآن، الذي
بدأه من ماء مهين وهو ماء أخلاط بين الأب
والأم ثم يكون علقة ثم يكون مضغة ثم يكون
له عظاما وكساها بلحم ثم أنشأه خلقا آخر.
وكذلك
حين يعود إلى الله، هناك مراحل التي سلكها
الميت حتى وصل إلىى
قبره.
وكذلك
حين جاء يوم القيامة، سيمر الإنسان في
مراحل طويلة من البعث والحشر والحساب
والميزان والنشر والحوض لأمة محمد صلى
الله عليه وسلم والصراط حتى يصل إلى الجنة
أو إلى النار.
سنة
التدرج تجري في الناس في حياتهم الدنيوية.
فكل
ما يريده الإنسان لا بد أن يناله بالتدرج.
ولا
يستثنى في مجال التربية، فالإسلام قد وضع
المراحل التي لا بد أن يسلكها كل من اشتغل
بالتربية ليصل بها إلى هدف التربية وهو
أن ينال الإنسان رضا الله وأن يكون إنسانا
صالحا الذي يؤدي مهمته في هذه الحياة
لعبادة الله والخلافة في الأرض، ونشاطه
لا يخرج عن دائرة الإيمان والعمل الصالح.
ذكرت
هذه المراحل في القرآن حين بين وظيفة
الرسول المربي لأمته :
هو
الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
(الجمعة
٢)
في
هذه الآية ثلاث وظائف للرسول المربي وهي
:
١-
يتلو
عليهم آياته
٢-
ويزكيهم
٣-
ويعلمهم
الكتاب والحكمة
ترتيب
ذكر هذه الثلاث يعتبر مراحل في التربية
الإسلامية، دليل ذلك نستطيع أن نلاحظ في
دعاء إبراهيم عليه السلام :
"ربنا
وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت
العزيز الحكيم"
(البقرة
١٢٩).
قد
ذكر إبراهيم عليه السلام في هذا الدعاء
بترتيب :
يتلو
عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة
ويزكيهم.
ثم
أجاب الله تعالى دعاءه بإرسال
محمد صلى الله عليه وسلم مع تصحيح قليل
من
الترتيب كما سبق في سورة الجمعة
:
يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة.
وإذا
تأملنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه
وسلم فسنجد أنه يطبق هذه المراحل تحت ظلال
الآيات القرآنية التي نزلت مفرقة في
مرحلتين المكية والمدنية.
بدأ
بتسميع آيات القرآن لقومه ليلمس
قلوبهم ثم يؤمنوا، ثم يزكيهم بالتوحيد
والأخلاق الكريمة، ثم يعلمهم
الكتاب والحكمة من الشرائع والأحكام.
أولا
:
يتلو
عليهم آياته
هذه
هي المرحلة الأولى في التربية الإسلامية
:
لمس
نفوس الناس بتسميع الآيات القرآنية التي
فيها معجزة.
قد
أسلم عدد من الناس بعد إعجابهم للقرآن
الذي قرؤوه أو سمعوه، لأنهم يعرفون الحق
فيه.
منذ
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
زماننا هذا.
لأن
القرآن معجز دائم في جميع وجوهه.
إذا
كان في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من
سمع القرآن شعر بجمال لغته وعمق معانيه
وميزة دلالته التي تغرس الطمأنينة في
قلوبهم وتعالج قضايا حياتهم، ففي هذا
الزمان بالإضافة إلى ذلك كله شعر الناس
بالإعجاز في الحقائق العلمية فيه التي
كشفها العلوم والتجارب الحديثة.
وهكذا
تستمر معجزة القرآن إلى يوم القيامة مع
تقدم أفكار الناس واختراعاتهم.
لذلك
لابد أن يسمع القرآن ويبرز استمرارا للناس
لفظا ومعنا لإعطاء اللمسات التربوية في
نفوس
الناس.
وكذلك
للطفل لابد أن يسمع له القرآن ليكون أول
تربية له، بل منذ اسقراره في بطن أمه.
وكذلك
أن تقرأ له معاني الآيات القرآنية ليعرفه
عن الحياة وعن خالق الحياة.
عن
خلق الكون والقصص التي امتلأت فيها العبر
ونهاية الحياة التي تشمل يوم القيامة
وحياة الآخرة.
والغرض
من هذا غرس الإيمان في نفسه.
يعرف
الله أنه المالك والمستحق بالعبادة.
ليكون
زادا له في ترويح نفسه وتقوية إيمانه.
ثانيا
:
يزكيهم
إذا
مر الإنسان في المرحلة الأولى فسيصل إلى
المرحلة الثانية وهي تزكية النفس.
الإيمان
الذي دخل في قلبه لابد أن يحفظه ويراعيه
حتى لا يتوقف في تزكية نفسه عن أوساخ
الذنوب.
فالمحاولة
في تزكية النفس طبعا يكتسبها طول حياته
لأن الشيطان لا يتوقف في إغواءه عن طريق
الحق.
وكذلك
العلم يتعلمه الإنسان طول حياته.
لكن
على أقل تقدير يستطيع أن يحصن نفسه عن
الشرك بتوحيد الله وإخلاص العبادة له،
وإخلاص المحبة والخوف الرجاء له، ويحلي
نفسه بالأخلاق الكريمة ويخليه من الأخلاق
الرذيلة، مهما هذه الأخلاق في المستوى
الأساسي بمعنى فعل الأخلاق الواجبة
واجتناب
الأخلاق المحرمة.
ثالثا
:
يعلمهم
الكتاب والحكمة
إذا
امتلأ الإنسان في قلبه إيمانا
وصفاء من أقذار
الذنوب حينئذ يستعد ليتلقى العلوم من
القرآن والسنة.
وهي
العلوم التي لا بد أن يعملها بجهد كبير
وهي شرائع الله
وأحكامه التي أنزلها تتعلق بكل جوانب
حياة الناس، من الصلاة إلى الجهاد.
بقوة
الإيمان وصفاء القلب، يستطيع الإنسان أن
يعمل الأعمال الضخمة عالية الشأن.
ومن
هذا تتولد العلوم الواسعة التي يكشفها
العلماء في مرور الزمان سواء كانت من
ناحية الفهم أو من ناحية التطبيق.
هذه
المراحل التي سلكها الرسول صلى الله عليه
وسلم والصحابة في التربية حتى يصلوا إلى
النتيجة المعجبة.
فعلينا
أن نقتدي ونعمل بهذه المراحل في تربية
أنفسنا وغيرنا.
هدانا
الله ووفقنا إلى سواء السبيل.
وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar