مراحل التربية الإسلامية
بقلم محمد أتم الإندونيسي
دعا إبراهيم عليه السلام : "ربنا وابعث فيهم
رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز
الحكيم" (البقرة ١٢٩)، ثم أجاب الله تعالى دعاءه : "كما أرسلنا فيكم
رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم
تكونوا تعلمون" (البقرة ١٥١) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم
آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (الجمعة ٢)
قال ابن كثير : يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من
بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، يتلو عليهم آيات الله مبينات ويزكيهم
، أي : يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ، ويخرجهم من الظلمات
إلى النور ، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة ويعلمهم ما لم يكونوا
يعلمون . فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول الفرى ، فانتقلوا ببركة رسالته
، ويمن سفارته ، إلى حال الأولياء ، وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علما ،
وأبرهم قلوبا ، وأقلهم تكلفا ، وأصدقهم لهجة[1]
قال ابن عاشور : وابتدئ بالتلاوة لأن أول تبليغ الدعوة بإبلاغ
الوحي، وثني بالتزكية لأن ابتداء الدعوة بالتطهير من الرجس المعنوي وهو الشرك ،
وما يعلق به من مساوي الأعمال والطباع . وعقب بذكر تعليمهم الكتاب لأن الكتاب بعد إبلاغه
إليهم تبين لهم مقاصده ومعانيه كما قال تعالى فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ، وقال لتبين
للناس ما نزل إليهم ، وتعليم الحكمة هو غاية ذلك كله
لأن من تدبر القرآن وعمل به وفهم خفاياه نال الحكمة[2]
وقال أيضا : وقوله "يتلو عليكم آياتنا" أي يقرأ عليكم القرآن وسماه أولا
أيات باعتبار كون كل كلام منه معجزة، وسماه ثانيا كتابا باعتبار كونه كتاب شريعة[3]
الإيمان قبل القرآن : عن جُنْدُبِ بن
عبد الله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فتعلمنا
الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً[4]
وفي لفظ البيهقي زيادة : وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان. ومعنى
الحَزَاوِرَة: جَمْع الْحَزْوَر، وَيُقَال: الْحَزَوَّر بتشديد الوَاو، وهُوَ
الْغُلام إذا اِشْتَدَّ وَقَوِيَ وَحَزَمَ وقيل: هو الذي قَارَبَ الْبُلُوغ.
عن حذيفة بن اليمان
قال : ثم إنا قوم أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن وأنكم قوم أوتيتم القرآن قبل
أن تؤتوا الإيمان[5]
عن ابن عمر قال: ثم
لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد
صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون
أنتم القرآن، ثم قال: لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى
خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه[6]
عن أم المؤمنين عائشة
أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا
ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا
لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على
محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى
وأمر" وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده[7]
قال ابن حجر
العسقلاني شارحاً لكلام عائشة : أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن
أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر
والعاص بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت ولو نزل أول
شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك
المألوف[8]
الأدب قبل العلم : قال مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رحمه الله
لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ : يَا ابْنَ أَخِي، تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أَنْ
تَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ[9]
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله : طلبت الأدب ثلاثين سنةً، وطلبت العلم عشرين
سنةً، وكانوا يطلبون الأدب قبل العلم[10].
وقال أيضا : كاد الأدب أن يكون ثُلُثي الدِّين،[11]
وقال أيضًا - رحمه الله -: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.[12]
العلم قبل القول والعمل : كتب الإمام البخاري في صحيحه باب : العلم قبل
القول والعمل، استدل بقوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله (محمد : ١٩)[13]
الخلاصة : فالتربية الإسلامية تكون أولا في تربية الروح
ببناء الإيمان بتلاوة آياته معجزة مع غرس الآداب الإيمانية تزكية للنفس، ثم تربية
العقل بتعليم الكتاب والحكمة والعلوم الأخرى النافعة، ثم الجسم إعانة للعمل الصالح
وتطبيق التكاليف الشرعية.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar